الأحد، 4 ديسمبر 2016

كتاب النبي ..

كتاب النبي .. من الكتب التي كنت مع كل صفحة أنهيها  ، أغلق الكتاب و آخذ نفسا عميقا ..
ثم أعود للدهشة .. جبران لم يترك لي الفرصة حتى أضيع في الأسطر كما في بقية الروايات .. ..
💚







لما عزم النبي الرحيل عن قومه  .. فكر وقال :

_ "  ألقلبي أن يصير شجرة حافلة بالثمار، كيما أقطف منها لهم وأعطي؟
وهل تتدفق أمانيّي كالمناهل كيما أملأ كؤوسهم؟
ليتني كنت قيثاره فتمسني يد العلي القدير، أو مزمارا حتى تنساب خلالي أنفاسه. إنما أنا ساع إلى السكينة . ترى أي كنز لقيت في ظلها , فأنثره بثقة و اطمئنان ..
إذا كان اليوم يوم حصادي، ففي أي الحقول قد نثرت بذوري، وفي أي فصول غابت عني الآن  ذكراها؟
إن  كانت هذه اللحظه التي أرفع  فيها مصباحي , فلن تكون الشعلة التي ستضيء فيه هي شعلتي , ولسوف أرفع  مصباحي خاليا مظلما "

ولما عرف أهل  المدينة بأمر رحيله قالو :
" لا تعجل علينا الرحيل ,..  لقد سطعت في غسق حياتنا كالشمس في رائعة  النهار ,و أمدّنا شبابك بأحلام نحلمها ,.. فلا تترك أبصارنا منذ الآن عطشى إلى  ملامح وجهك "
ولما عرفت "ألمطرا أول امرأة آمنت به .."   أمر  رحيله هلعت إليه .. وطلبت منه أن يحدثهم عنهم بما عنده من الحق و العلم وبما يدور في أنحاء  سرائرهم .. و قد أسهبت في وصفه وثناءه ..
" في وحدتك كنت موصولا بأيامنا , وفي يقظتك كنت تستمع إلى مايتخلل هجعتنا من بكاء وضحك "      
بعد أن  وافق النبي طلبها .. سألته " حدثنا عن الحب "
من ما قال النبي عن الحب :
"..إذا أومأ الحب عليكم فاتبعوه , و إن كان وعر المسالك منزلق المنحدر ,..و إذا حدثكم الحب فصدقوه و إن كان لصوته أن يعصف بأحلامكم كما تعصف ريح الشمال في البستان ,.. إن  الحب كما يشد من عودكم كذلك يشجذب منكم الأغصان  , وكما يرتقي إلى  قنن هاماتكم ويداعب أغصانكم الغصة كذلك يهبط إلى  جذوركم العالقة  بلأرض فيهزها هزا ., .. كل هذا يفعله بكم الحب  لكي تعرفو أسرار  قلوبكم , وبهذه المعرفة تصبحون فلذة من قلب الوجود ..., و أما  إذا دب فيكم الحب ولم تنشدوا فيه إلا  الدعة و المتعة .. فأولى بكم أن  تستروا عريكم و تغادروا بيدر المحبة إلى  عالم لا تتعاقب فيه الفصول , حيث تضحكون ولكن دون استغراق , وتبكون و لا تنهمر كل الدموع , ...أما اذا احببت و لم يكن لك بد أن  تساور رغبات , فلتكن هذه الرغبات أن تذوب حتى تصبح كالغدير المنساب يشدو الليل بألحانه ,.. وأن تحس الألم نابع من فيض حنان دافق , و أن تنهض مع الفجر بقلب مجنح لتستقبل شاكرا يوما في الحب جديد , ...."


استأنفت ألمطرا و  سألته عن الزواج , مما قاله عنه "..
ليحب أحدكما الأخر ولكن لا تجعلا من الحب قيدا ًبل اجعلاه  بحرا متدفقا بين شواطىء أرواحكما
غنيا وارقصا وامرحا معا ، ولكن ليخل كل إلى شأنه فإن أوتار القيثارة مشدودة على افتراق وإن خفقت جميعا بلحن واحد"

و أجاب عن الاطفال
"بكم يخرجون إلى الحياة ولكن ليس منكم وإن عاشوا فى كنفكم فما هم ملككم ، قد تمنحونهم حبكم ولكن دون أفكاركم فلهم أفكارهم ، و إذا وسعكم السعى لتكونوا مثلهم ولكن لا تحاولوا أن تجعلوهم مثلكم . أنتم الأقواس منها ينطلق أبناؤكم سهاما حية , و الرامي يرى الهدف قائما على طريق اللانهاية ويشدكم بقدرته حتى تنطلق سهامه إلى أبعد  مدى ..."


بعد ذلك سأله رجل ثري عن العطاء فقال :
"إنك لتعطي القليل حين تعطي ما تملك , فإذا أعطيت  من ذاتك اعطيت حقا .,..إنها الأشجار  تعطي لتحيا , لأن الامتناع عن العطاء سبيل الفناء .. "


و لما سأل فلاح عن العمل ..
قال النبي "* الحياه تكون ظلمة حالكة إذا لم ترافقها الحركة، والحركة لا بركة فيها إن لم ترافقها المعرفة، والمعرفه عقيمة إن لم يرافقها العمل، والعمل بلا ثمر إن لم يقترن بالمحبة, فما هو العمل المقرون بالمحبة؟ هو أن تضع في كل عمل من أعمالك نسمة من روحك،.. و لقد نُبُأتم أيضا أن  الحياة ظلام حتى أصبحتم ترددون من فرط الإنهاك , ما يردده المنهكون , ولعمري إن  الحياة ظلام إلا اذا صاحبها الحافز , و كل حافز ضرير إلا  إذا اقترن بالمعرفة , و كل معرفة هباء إلا  إذا رافقها العمل , و كل عمل خواء إلا  إذا امتزج بالحب *, فإذا امتزج عملك بالحب فقد وصلت نفسك بنفسك و بالناس و بالله , و ما يكون العمل الممزوج بالحب إلا  أن تنسج الثوب بخيوط مسلولة من قلبك كما لو كان سيرتديه من تحب , أو  تبني دارا كما لو أنها  ستضم من تحب  , .. و إن  كنتم تظنون أن  الرسام الذي الذي يلتقط ألوان قوس قزح ويسوي منها على لوحته  ملامح إنسان  لأعظم قدرا ممن يصنع النعال لأقدامنا ف أنا اقول  لكم بكامل يقظتي أن  الريح لا تخاطب السنديانة الجبارة بلهجة أحلى من اللهجة التي تخاطب بها أحقر أعشاب الأرض!,.أنما العظيم من يرد صوت الرياح أغنية  , يزيدها عذوبة وحبا . إذا لم تقدر أن تشتغل بمحبة، فالأجدر أن تترك عملك وتجلس تلتمس صدقة من المشتغلين بفرح وطمأنينة..لأنك إذا خبزت خبزا وأنت لا تجد لذة في عملك، فإنما تخبز خبزا علقما لا يشبع سوى نصف جوع الانسان "




فسألت امرأة عن الفرح فقال
" إن فرحكم هو ترحكم(حزنكم )  وما أكثر  ما تمتلئ البئر التي تستقون منها ضحكاتكم بفيض دموعكم.. ,..حين يستخفك الفرح إرجع إلى  أعماق قلبك  فترى في الحقيقة أنك تفرح بما كان يوما مصدر حزنك , وحين يغمر قلبك الحزن تأمل قلبك من جديد فسترى في الحقيقة أنك تبكي إلى  ماكان يوما مصدر بهجتك ,..  كّلما أعمل وحش الحزن أنيابه في أجسادكم تضاعَفَ الفرح في أعماق قلوبكم...أليست القيثارة التي تزيد في طمأنينة أرواحكم هي نفس الخشب الذي قُطِّع بالفؤوس؟ إنكم بالحقيقة معلَّقون ككفتي الميزان بين ترحكم وفرحكم، وأنتم بينهما متحركون أبدا، ولا تقف حركتكم إلا إذا كنتم فارغين في أعماقكم "

فسأله بناء عن المساكن , قال:
"*ماذا تملكون في هذه البيوت؟ هل عندكم السلام؟ هل عندكم الذكريات؟ هل عندكم الجمال؟ أم عندكم الرفاهية فقط، و لتحرق الرفاهية الممزوجة بالطمع، الرفاهية التي تدخل البيت ضيفا، ثم لا تلبث أن تصير مضيفا،،،فسيّداً عاتيا عنيفا .. ولتبقيّن بيوتكم على الرغم من جلالها وبهائها أعجز  من أن  تحفظ أسراركم و تأوي اشواقكم ,.. "








ولما سأله خطيب عن الحرية قال :

إذا  كان هما تود إن  تخلص منه، فإنك  أنت الذي اخترته لنفسك، ولم يفرضه عليك أحد. وإذا  كان خوفا تود أن  تبدده، فإنه  يتربع في قلبك أنت، وليس زمامه في يد من تخاف. ولعمري أن  الأمور جميعا، مرغوبة أو  مرهوبة، ممقوتة أو  محبوبة، منشودة أو  ممجوجة، تتحرك كلها في أعماق  وجودك، تكاد تتعانق أبدا.
أجل، إنها  تتحرك في طوايا نفسك، كما يتحرك الضوء وظله، زوجين متلازمين.
وعندما يخبو الظل ويتلاشى، فإن  الضوء المتلبث يصبح ظلا لضوء جديد.
وهكذا تكون حريتكم، ما إن  تخلص من أغلالها، حتى تغدو هي نفسها قيدا لحرية أعظم  ..و النسيان شكل من أشكال  الحرية "
Top of Form
ولما  سألت الكاهنة عن العقل والعاطفة قال : ما أكثر  ما تكون نفوسكم ساحة قتال، تشنه عقولكم ونهاكم (النهى : العقل ) على عواطفكم وشهواتكم. وإني لأتمنى أن  أحل في نفوسكم صانع سلام، فأشيع  الوحدة بين عناصركم المتنافرة، وأرد تنافسها إلى  وئام وتناغم , إن  عقولكم وعواطفكم هي الدفة والشراع لإرواحكم السارحة في البحار، فاذا تحطمت الدفة أو  تمزق الشراع، تقاذفتها الأمواج  فضلت، أو  توقفت بلا حراك وسط الخضم وليتكم تنظرون إلى  نهاكم وشهواتكم نظرتكم إلى  ضيفين عزيزين حلا بداركم. يقينا أنكم لن تؤثروا أحدهما  على الاخر، فانكم إن  أسرفتم في العناية بإحدهما فقدتم حب الإثنين  وثقتهما.."  

و في حديثه عن الألم قال :" إن  الألم الذي بكم، هو أن  يتفتق الستر الذي يحيط بإدراككم. وكما أن  نواة الثمرة تتفتق لتكشف قلبها للشمس، كذلك الألم لا مناص لكم من أن  تخبروهولو استطعت أن  تجعل قلبك يتهلل دائما للعجائب التي تتكشف لك كل يوم، لرأيت أن  آلامك لا تقل روعة عن أفراحك، ولرضيت الأطوار  التي تنتاب قلبك، كما رضيت دائما بالفصول تتعاقب على حقلك، ولوقفت رابط الجأش، ترقب شتاء أحزانك إنما أنت الذي اخترت أكثر  آلامك. إنها  الدواء المر، به يداوي مرضك طبيب خفي في نفسك.فلتثقن إذا  بالطبيب، ولتتجرع دواءه في صمت وطمأنينة"
و في معرفة النفس قال :
"إن قلوبكم في صمت تدرك أسرار  الأيام والليالي , ولكن آذانكم عطشى إلى  صوت المعرفة ..و كم تتمنون أن تعرفوا باللفظ ما عرفتوه دائما بالفكر ,
 إن الينبوع الكامن في أعماق نفوسكم سيتفجر يوما ويجري منحدرا إلى  البحر. ولكن حذار...لا تقل في ذاتك: "قد وجدتُ الحق" بل قل: "قد وجدت حقا" "


فقال له عالم حدثنا عن الكلام :
إنكم تتكلمون حين يدُبُّ الخصام  بينكم و بين أفكاركم ,فإن عجزتم أن  تخلدوا الى عزلة قلوبكم () تعلقت حياتكم بشفاهكم و انطلقت أصواتكم تلهية و ازجاء للفراغ . ومع كثر الكلام يهلك تفكيركم  , و منكم إلى   من يسعى من يثرثون خشية الخلوّ إلى  نفسه ,لأن سكون الوحدة يكشف لأعينهم خفايا ذواتهم العارية فيفّرون منها , و منكم من يتحدثون فيكشفون بلا علم أو  رويّة عن حقائق يفوتهم معناها , "

ثم سُأل عن عن الزمن :
"... لكن ما هو خالد فيكم يدرك أن  الحياة لا يحدها الزمان , ويعلم أن  الأمس ماهو إلا ذاكرة اليوم و أن  الغد ماهو إلا  حُلمه , إن  من يتغنّى فيكم و يتأمل ما يزال في رحاب اللحظة الأولى , تلك التي انتثرت فيها النجوم في السماء "

و في حديثه عن الخير والشر قال: "أنت خَيِّر إذا ثَبتَّ على مبدأ واحد مع نفسك,لكنك لا تُصبح شرّيراً إذا أنت لم تفعل.فإن البيت المنقَسم على نفسه ليس وَكْراً لِلُّصوص؛هو بيت مُنْقَسمٌ علىَ نفسه فحَسبْ.
وقد تهيم السَّفينة بلا دَفَّة شَريدةً بين الجُزُر المحفوف بالمخاطر, لكنها لا تَهوي إلى القاع.وأنت خَيِّرٌ حين تَسْعَى جاهداً للبْذلِ من ذات نفسك, لكنك لا تغدوا شِرِّيراً حين تلتمس لنفسك الغُنم. وأنت خيّرٌ حين تمضي إلى غايتك ثابت العزم والخُطى,لكنك لا تكون شريراً حين تمضي بخُطى عَرْجاء.فإن الأعرج, على عَرَجه, لا يعود إلى الوراء"


وقال شاعر حدثنا عن الجمال " قال: كيف تَسْعَون إليه  وكيف تجدونه وهو .الطريق و الدليل ، الجمال ليس بحاجة و ما هو بفَمٍ عَطْشان, ولا يدٍ ممدودة فارِغة  وما هو بالصّورة التي تَودّ  أن تراها, ولا الأغنية  التي تَوَدُّ أن تسمعها , إنما هو صورة تَراها وإن أغمضت العين, وأغنية تَسْمعها وإن سَدَدْتَ الأذن "                                                                                     .

قال  شيخ حدثنا عن الدين فقال": وهل حدّثتكم اليوم عن شيئ سِواه؟أليس الدِّين هو كلَّ عملٍ وكلَّ تكفير؟ ثم هو أيضاً ما ليس بعملِ ولا تكفير, بل عَجَبٌ و دهْشَةٌ ينبعثان من النّفس دوماً...و قال ومن يَرَ في العِبادة نافذةٌ يَفْتَحُها ثم يستطيعُ أن يُغْلِق فإنه, لم يُلمَّ بعد بمسكن روحه, حيث النّوافِذ  تُشْرَعُ من فَجْرٍ إلى فَجْرٍ  إن الحياة التي تَحياها كل يوم, هي مَعْبَدُك وهي دينُك؛.وإذا أردتم أن تَعْرِفوا الله فلا تَشْغَلوا أنفُسَكم بحل الألغاز,
بل أنظروا فيما حولكم تَرَوْه يُداعب أطفالكم. وانظروا إلى الفضاء تُبْصِروه يسير بين السّحاب, ويَبْسُط ذِراعيه مع البَرق, ويتنزّل في المطر. سترون بَسْمَتَهُ في الزّهر, وحين يعلو يَخْفقُ الشجر بِخَفَق يديه. "
وهنا تحدثت إلمطرا .. فقالت حدثنا عن الموت : قال " الموت :
معرفة أسرار الموت لا يمكننا الوصول إليها إن لم نسعى إليها من قلب الحياة ، لأن البومة التي لا تفتح عينيها إلا في الظلمة ـ البومة العمياء عن نور النهار ـ لا تستطيع أن تنزع الحجاب عن أسرار النور ، فإذا رغبنا بالحقيقة أن ننظر إلى روح الموت ، علينا أن نفتح أبواب قلوبنا على مصاريعها لجسد الحياة ، لأن الحياة والموت واحد ، كما أن النهر والبحر واحد تماماً ، ففي أعماق آمالنا ورغباتنا تتوضع هناك معرفتنا الصامتة لما وراء الحياة ... وكما تحلم البذور الهاجعة تحت الثلوج في الربيع ، هكذا تحلم قلوبنا بربيعها ، لذلك فالتكن ثقتنا بالأحلام عظيمة ، لأن بوابة الأبدية مختفية فيها ، أما خوفنا من الموت فهو أشبه بارتجاف العاري الواقف أمام الملك عندما يرفع  يمينه فوق رأسه لكي يكرمه وينعم عليه بوسام الفخار والرضى ...!!! أفلا يفرح العاري مع ارتعاشته لأن ملكه يقله وسام الشرف والرضى ؟؟ ، ولكن ألا يشعر مع ذلك برتجاف جسده وخفقان قلبه ؟؟ وهل موت الإنسان سوى وقوفه عارياً في الريح وذوبانه في حرارة الشمس ؟؟؟ وهل انقطاع التنفس سوى تحرير النفس من مده وجزره المتواصل لكي يستطيع أن ينهض من سجنه ويحلق في الفضاء ساعياً إلى خالقه من غير قيد ولا إعاقات ؟؟
نحن لا نستطيع أن نترنم بالأناشيد حتى نكون قد شربنا من نهر الصمت ـ
 ولا نستطيع أن نباشر الصعود إلى الجبال حتى نصل إلى بداياتها ، ولن نستطيع أن نرقص حتى تتسلم الأرض جميع أعضاء جسمنا


و ما إن  فرغ من حديثه حتى أشار  إلى الملاّحين , فرفعوا المرساة على الفور ,و أطلقوا  السفينة , فصرخ الناس كأنهم من قلب واحد .وتعالى صراخهم في عتمة الغسق , و حملته الريح كأنه دويّ بوث عظيم ,"ألمطرا وحدها لزمت الصمت , وظلت واقفة حين تفرق الناس اجمعين ,"




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق