الجمعة، 30 ديسمبر 2016

يومٌ أبيض ..

أول مرّة أشعر بأني أحتاج الحديث عن يوم مضى ، و أول مرة أنا من تغلق النوافذ والأنوار ، و أول مرة أشعر بأن يد عون الناس لا تدل على ضعفك أنت ، بل تدلّ على حبهم هم ..
تمام 3:15 PM
29 ديسمبر 2016
صحوت على صوت أخي ، وقد نمت نومة جيّدة مقارنة بماقبلها.. اعتاد أخي أن يقرأ الفاتحة بترتيل عال وهو يصعد الدرج ، أنا نائمة بعمق
" يبدو أن أبي أعاد لي نومي ..، صوت " الحمدلله رب العالمين ، اخترق مسمعي ولم يخرج وكأنه كأس وانكسر على صدري ، صحوت من ألألم  يطرق الباب - سارة ماتبين تروحين تشوفين ابوي ؟ -
وهل هذا سؤال ؟ .. نهضت من السرير.. و كلمة " الحمدلله رب العالمين"... مازالت على صدري ..
أنه كابوس أو ربما جاثوم..لحظه لا أستطيع النهوض ؟  هل أنا الآن نائمة ؟ ألم يوقظني أخي ؟ أهو حلمٌ مرة أخرى !
حسنا لا بد أني تأخرت على كل حال ، هيّا سأستيقظ واستعد فوقت الزيارة قصير .. نهضت من السرير توضأت و بدأت الصلاة.. صوت أخي مرة أخرى ، " الحمدلله رب العالمين.. الرحمن الرحيم.." يطرق الباب " سارة ماتبين تشوفين أبوي! ".. هذا سؤال غير جديد ، بلإضافة أني لا أستطيع الجواب فأنا أصلي ، يطرق الباب مرة أخرى - سارة خمس دقائق وبمشي - أنا أصلي ..! كيف أرد ؟ ..
يفتح الباب يقترب من السرير  .. لماذا أخي يقترب من السرير ! .. فأنا أصلّي على السجادة .. يحدث السرير ، -سارة سارة خمس دقايق وأمشي !!-
لحظه ! هل هذه أنا النائمة التي يحدثها على السرير ..!  ألم أصلي..!
قررت الإستحمام هذه المره لأتأكد بأني أفقت..! صليت .. وخرجت .. أخيرا ، ليس حلم .. ركبت السيارة أنا وأمي وأخي.. هدوء الطريق ،  ..جوّال أخي يرن ،
-ألوه ، إيه تو طلعنا...ليه نرجع ؟ ..نرجع للبيت ؟ خلاص نرجع نرجع (بصوت عالي ) ..-
سقط الجوّال من يده ، يضرب رأسه ب -الداركسون- ، ويداه تفعل نفس الشيء .. بشدّه.. السيارة خارج التحكم ..
" ناصر ليه تسوي كذا ليه ترجع ، ناصر بنروح نشوف أبوي... لا ترجع !! ناصر "
بكى ! و لا يُبكي الرجل غير شيء واحد  .. نسيتني وتوقفت عن سؤاله ، عرفت ،  .. أمي تتحدث لا أسمع ماذا تقول ، أحاول تهدئة ناصر لايسمعني ، يحدث ناصر الداركسون ولا يسمعه  .. لا أعرف كيف عدنا للمنزل .. لا أذكر شيء ولا أذكر الطريق ..
، هل هو حلم؟ هل سيوقظني الآن أحد ؟
. لكني أريد رؤية أبي -قلت-
رفضوا لأن اخوتي انهاروا ولايريدون لأمي أن ترى ذلك .
و أنا من سيخاف على قلبي  ، أبيت النزول من السيارة " الله... يارحمن... يارحيم  " إن كان كابوسا أيقظني منه ، إن كان ليس كذلك فهمّني ارحم قلبي و أجبر هذا الكسر في صدري .. بقيت وحدي طوال العصر في السيارة .. ناصر مع  حزنه يدور وأنا  حزني لا أعرف ماذا أفعل به ، أقرص يدي ربما أصحو!  لا ليس حلما ..
تأكدت ، لأني أوجعتني.. نزلت الآن على قدم ويد.. لأن الهواء لم يعد  موجودا في السيارة ..بقيت دون هواء..
تحت السماء ورأسي على جدار البيت.. لا أملك أي  فكرة .ما ذا أفعل بي ، أين يفترض أن أذهب ، وكيف سأبدأ مراسم فقدان الحياة من قلبي.. لم يصل أحد بعد وأخي حزين وأمي دخلت كلٌّ مشغول في وجعه .
فترة العصر كاملة . أتنفس وكأنه كُرها . وكل شيء متكسّر ،
أخيرا جاء أخ آخر ، آخر ليس حزين - فهد المبتسم -أو راكن حزنه ببتسامة ، إلى أجل مسمى ، لا أسمع ما يقوله كنت أنتظر أي يد عون حتى لو كانت عصى ، لأتكئ.. و اتكأت لأمشي.. لا أذكر أن قدماي قد وطأت الأرض ، والباقي معروف .. أقرباء يأتون ، أخوة ينظرون في أوجاعهم ، و أنا مازلت لا أعرف من أين أبدأ ..
دائما يحاول  أبي -رحمه الله - أن يذكرني ما نسيته من حفظي في الدار .. أحيانا يضع جائزة  ، وأحيانًا وهو جالس يذكر آية ويطلب منّا أنا نكملها أنا وناصر . لم يجبر أبي -رحمه الله - أحد منّا على الحفظ . كان يترك كل الطرق مفتوحة لنختارها.. لكني أخبرته مرّه أني نسيت .. أشعر بأن كل حفظي ضاع سُدى قال " لالا ما يضيع ، مكتوب هنا " وأشّر على صدره . فهمت الآن كيف يُكتب في القلب ، بدأت مراسم توديعه تحت السماء ، لأن الأسقف أُطبقت على قلبي .. في يدي قرآن .. لا أذكر من أين أخذته ، جلست وفتحت بعشوائيه.. أقرأ ، وكل صفحة أقرأها وكأن الله اصطفاها لي خصيصا..
بدأت الآن أفهم مالذي يحدث ..
" لا تحزن إن معنا " " أليس الله بكاف عبده " " وبشر الصابرين " .. والكثير. الكثير .. أقرأ بصوت عال حتى لا يسمع قلبي حديث نفسي ،
لم أفهم لم أبا يوسف  " ابيضت عيناه من الحزن " ! هو أعمى وما أعرفه أن الأعمى يرى الظلام و الظلام أسود ! لكني عرفت في تلك اللحظات حين  أغمض عيني لا أرى إلا بياضا ، ولا أفهم لم يلبسون الأسود ، فكل شيء في عيني أبيض مثل ورقة بيضاء فارغة وحزينة . أنتظر يد عون أخرى ، أريد حقا أن لا أحتاج يد غير يدي ولا معين غير الله  لكن كل شيء منكسر ..
جاءت أختي وقريبتي ، يمدّون يد العون .. وتمسكّت بها مرة أخرى .. لطالما شعرت أن عليّ أن أعتمد على نفسي في تسويتي مع الحزن لكني أردت الآن فقط أن امشي أن لا أجزع ، و أن لا يسقط قلبي . من مكانه ، ثبتّه بيدي هاتين..
رؤية أبي - غفر الله له - ،
في ظل هذا الحزن العميق ، لم أكن أحتاج لأي شيء غير  رؤيته ، أريد حقّا رؤيته .. الصلاة عليه الجمعة ، لم أنم تلك الليلة ، وقلبي لم يهدأ... كل أصواته في إذني .. ذهبت إلى خزانة ملابسه.. أرتب وأتمنى أن لا أنتهي للأبد .. رائحته حبيبه. كل صورة له تضحك ، جاء الصبح أخيرا
10:30 صباحا ..
أول مرة لي أرى ميتا وكان هذا الميت ، قطعة من روحي . المغسلة خالية إلا منه وأنا أبحث عني أين أبتي.. رأيت عمي فتوقفت قدماي .. الآن أصبح أمرا واقعا.. لكن ، لما ساعدني عمي واقتربت لم يكن هذا الموقف أول مره ! وصورة وجه لم تكن غريبة علي ..لقد رأيت هذه الهيئة عدة مرات من قبل ، ..ربما من الصدمة شعرت بذلك ..قبّلت رأسه البارد ووضعت رأسي على كتفه .. كنت أملك الكثير من الأشياء لأُخبرها إياه.. الدعوات الصلوات..أخبرته أيضا بأني مثل ما كان يفعل دائما أحمد الله كثيرا ، مع كل آهٍ حمداً.. وإني سأصبر وأني مطمئنة ، وبأن هذه الأيام ليست عبئا علي ، لالا .. فحزنه عزيز .. على أن أنتظر مرورها، لن أنسى حزني فيه بل سأُحبه . كما أخبروني أنه يرتل الشهادة من 24 ساعة قبل موته ..فأنا سأكمل عنه له  . خرجنا.. يد عون أخرى أتمسّك بها .. أصلي ، خالتي قويّة جداً ، أعني بأنها أقوى شخص رأيته على الإطلاق .. فهي  لا تمد اليد بل تدفعني وأخواتي ، لم تترك لنا فرصة .. تدفعنا بقوّة  ، عدنا والحمدلله .
يا أبتي وحبيبي..
يا قرة قلبي ، ونور عيني ، و يا كل أيامي المخضّرة ، إن قلبك مات .. قلب من سيحبني مثل حبك ؟
إن صوتك اختفى ، صوت من سيضحكني بعد صوتك ،
إن أغمضت عينك عنّي من سيراني كما تراني أنت ،
و إن ضحكتك انطفأت .. من سيُضحك دنياي بعدك!
لمن تركتني يا أبتي..؟
. سأصبر مثل صبرك ، وأقوى كقوتك ، و لن أنسى أنك أنت أنا . دائما .. لا تخف لم تحزنّي أنت .. وفقدك حبيبٌ عابر  قلبي استوطنه ، لن أترك أحدا يحمل حزنك عني .. سأبقيك بداخلي ،
قريب وبعيد .. قريب لدرجة أني  لا أستطيع لمسك  ، و بعيدٌ لا أستطيع النظر إليك.. لكني أشعر بك . مثل قلبي تماما .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق