لم أدرك ..
لم أدرك أن كل هذه الألوان و المشاعر .. و الحياة تتعلق بأبي إلى هذا الحد ! و لم أعرف معنى أن تكون مقيّدا يوما ما ، لطالما كانت حريتي و جنتي في قلبي ، إلا في اللحظة التي يعجز فيها قلبي و تخلو يدي من الحيَل ، إزاء أذى من أحب .. اللهم حريّة و حيلة حين لا يسعني أن أفعل شيء فأنت قادر على كل شيء ..
الليلة الثانية : 27 - ديسمبر
11:35
ليلة ثانية ، هادئة و مطمئنة ، لا أذكر شيء فيها غير أن مسكت بيد أبي ، بكل قوة و طاقة و حب و دعاء و صلاة و أمل و رضا بقيت فيني ، فتح عينيه و هزّ رأسه ، كانت لحظة طويلة ،لم يشتكي أبي قط ، يحمد الله كثيرا . لكني أفهم و أشعر بأقصى ألم يلمسه ، و بالحديث عن الحمد ، كم كرهت فلسفة اخترعها الضعفاء و الخائفين في السؤال عن الحال و كيف هو كّ التحية و لا يهمّ المتلقي ما إذا كنا بخير أم لا .. ! نحن لا نُخبر من يسأل خبرا بل ندعو .. ندعو الخير فنحن لا نعرف متى يصير الحال خيرا ومتى لا .. و أجهل من أن نعرف ، فهو ليس أمرا لحظيا و لا ضحكة عابرة ومثل ذلك الحال. و الحمد دعاء ، و الخير دعاء و الحال لا يستقر على وتر .
لا بأس دائما لي لكن تعب الحبيب بأس .. دائما مابحثت عن نافذة أو حيلة لكن النوافذ تُغلق عليّ و أبي : مخرجي الطوارئ مُتعب .
أبي كأي أب في العالم مختلف ، لا يشتكي ، و يعطي دون أن يمدّ يده ،ولم يحسب نفسه قبلنا في شيء قط ،
نحن أولا ثم هو دائما ، يعطي دون أن يمد يده، لا يأكل قبل أن يشبع أصغر شخص منا بما في ذلك عاملة المنزل حتى، .. لا أبالغ والله .. لم أره قط يأكل قبلنا أو يطلب منا انتظاره على وجبه ، ليس صبورا ولكن غضبه جميل جدا ..سريع الرضى ، انظر إلى عينيه يبتسم .. يضحك كثيرا و دائما ، أعتقد أن لديه الكثير من الحب ليمنحه ولذلك كان ربّ أسرة كبيرة ومتفرّعة.. ينظر إلى كل واحد منا وكأنه طفله الوحيد ، و لم يفنى هذا الحب يوما .. حتى الآن حين يرى أصغر حفيد وكأنه ملك الدنيا وما فيها ، يمنح الحب بطريقة خاصة ، بنظرة وكأنها كلمة سر بيننا لا يفهما أحد ..
من أفضل ما منحني إياه ، على الأطلاق كانت هدية و درس وصدق :
هناك مرحلة ما يشعر المرء أو الطفل أن عليه أن يمتلك مثل صَحبه ، حتى يكون مثلهم - و لم أفهم حتى الآن لماذا علينا أن نكون مثل بعض !- على كلّ ، لُعب بيت الدمى شائعة في ذلك الوقت .. لكل فتاة بيت دُمى ، و كانت المرة الأولى التي أطلب فيها شيء بسبب أن الآخرين معهم مثله . فالطلب ثقيل علي ، وحاله الآن ليس أخف ، إلا اذا كان الأمر ضروري مسبباً عدمه أشد الضرر .. على كل طلبت بيت الدمى كانت الساعة العاشرة .. و ابي يجلس في " المشراق : مشتقة من شروق الشمس " جلسة أرضيه تكون تحت السماء يجلس فيها أبي مع المذياع و أمي تُصلي الضحى ، ذهبت لأمي أولا ..أخبرتها ما أريد و السبب ، و تكفلت هي بإخبار ابي ..
في اليوم التالي وفي نفس ناداني أبي و طلب أن أحضرله كرتوناً فارغ كبير.. و أحضرت أمي مكينة الخياطة و الأقمشة .. و صنع ابي بيتا ، ليس كأي بيت..وتكفلت أمي بالدمى و الفرش ، لا أعتقد أن هناك غسالة ملابس" ابتكرناها بطريقة طريفة " في اي بيت دمى غير بيتي ، كان بيتا مدهشا .. مازلت أذكر كل التفاصيل كما لو كانت أمس .. و من بعد ذلك البيت إنطفأ بريق ما يملكه و يظنه الآخرين في عيني .. إلى الغد و الأبد ..ماذا لو كانت لديهم جنة ليست جنتي ، و قدر ليس قدري و رزقا ليس رزقي ، و رغبةً ليست لي ! فأنا مثل نفسي ، لست كمثل احد ..
هل حقا علينا أن نملك ما يملكونه و نصير ما صاروا إليه حتى نعود نستحق الحصول على تذكرة السماح للبقاء معهم ، من هم ؟ من نحن ؟ هم و نحن أعني بذلك نحن إجمالا لو عرفنا من نحن .. فلم نبحث عن أمثالانا مرة أخرى ؟ و نستمر في الهجوم ، مناضلين أن نظهر أن الإختيار الصحيح هو اختيارنا - حتى لو كان خطأ -، و الطريق الصحيح طريقنا .. إن كان الأمر كذلك فأنا أحد الخاسرين الذين عرفوا ، الخسارة ولمسوها بأيديهم . قبل أن يبدأوا طريقهم الصحيح، اختار المعرفة ، و التجربة ، استكشاف الخطأ و تصليحه ، و حدها البصيرة تفعل ذلك ، من ليس مثلنا ليس أقل ، و من هو منّا فلا يعني بالضرورة أنه العدو !
مازلت أقتبس من ابي و أتعلم بالرغم بأنه ليس متعلما لكنما حكيم فهو يقرأ و يكتب ، دون شهادة و دون أي شهادة ، يحفظ الشعر و القرآن و الحديث و التاريخ و بارعا أشدّ البراعة في الرياضيات ،
لا يسعني أن اكتب لأبي و لا أنهي الحديث فيه .. و لا أحبذ كتابتي عنه لكن كانت التدوينة لغرض تمرير الليل الطويل بعد توّعك أبي اليوم ، اعتدت الهدوء لا الهلع في أوقات مثل هذه على المرء أن لا يروّع نفسه !
نقلناه و لم أختر الذهاب معه ، المستفى مكانا خانق و مزدحم و أخوتي و الاطباء و الضجيج .. وهذا ليس ما احتاج ..و هو لا يحتاجني الآن .. بقيت عند ابناء اخوتي ، درّست من يدرس منهم و أعددنا العشاء بهدوء .. أطفئنا النور و ناموا .. وبقيت على سريره أصلّي أن يعود ، أدعي أن لا أعيش أياما تشبه أيام وعكته الأولى ،لكنما هناك سكينة تنزل من السماء و تطمئنني ، أن لا أخافأ ، و غدا سيأتي على أي حال .. و سأُزهر أنا .
الليلة الثانية : 27 - ديسمبر
11:35
ليلة ثانية ، هادئة و مطمئنة ، لا أذكر شيء فيها غير أن مسكت بيد أبي ، بكل قوة و طاقة و حب و دعاء و صلاة و أمل و رضا بقيت فيني ، فتح عينيه و هزّ رأسه ، كانت لحظة طويلة ،لم يشتكي أبي قط ، يحمد الله كثيرا . لكني أفهم و أشعر بأقصى ألم يلمسه ، و بالحديث عن الحمد ، كم كرهت فلسفة اخترعها الضعفاء و الخائفين في السؤال عن الحال و كيف هو كّ التحية و لا يهمّ المتلقي ما إذا كنا بخير أم لا .. ! نحن لا نُخبر من يسأل خبرا بل ندعو .. ندعو الخير فنحن لا نعرف متى يصير الحال خيرا ومتى لا .. و أجهل من أن نعرف ، فهو ليس أمرا لحظيا و لا ضحكة عابرة ومثل ذلك الحال. و الحمد دعاء ، و الخير دعاء و الحال لا يستقر على وتر .
الصباح الرابع
8:00
خدعة تمرير الوقت لم تنجح معي .. حسنا ربما كانت نافذة جديدة و أغلقت علي ، أسهر وأصحوا باكرا..وكأن اليوم كاملا محصور في ساعة واحدة من الرابعة إلى الخامسة عصرا ، الوقت المسموح لزيارته في نفس غرفة العناية والنافذة والسيب الطويل ، لكن النافذة التي كنت أُطِلّ عليه فيها ، تطلّ الآن على مريض آخر ، مريض لايُطل عليه أحد .. سريره بعيد عن النوافذ و وقت الزيارة قصير جدا ..!
على كلٍّ فلم يعد يهم لا خدعة الوقت ولا المكان تُجدي نفعا . قريب هو أبي منّي ، قريبٌ للدرجة اللتي لا أستطيع فيها النظر إليه وبعيد لا أقدر لمسه لكني أشعر به .. مثل قلبي تماما .
ختاما :
- عزيزي أبي : لا يهمّّ الوقت ، ولا المكان .أفهم و أعرف كيف أعيش اليوم بما فيه . وإن أُُغلقت الأبواب والنوافذ فباب الله لا يُغلق ، أرى عدد التحميد على شفاهك ، لم أعتدك مستسلما إلى هذا الحد ، إستيقظ و أعد إليّ نومي الذي أخذته معك ، عزيزٌ تعبك مثلك ؛ حتى أني أكره الإفصاح فيه، أعلم أنك تكره إظهاره ، لن أحمّلك هذا العبئ. سأحفظك في قلبي ، دعاءًً في صوتي و صلاة في جوارحي.. حتى تأخذه منّي بصوتك ، وعافيتك ..
تمت ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق